كلنا نستحق الحُب

Share on facebook
Share on twitter

بقلم: زينب علي البحراني

هل يمكنك أن تعيش دون أي شكلٍ من أشكال الحُب؟ دون أن يحبك أبويك؟ اصدقاؤك؟ شريك حياتك؟ ابناؤك؟ أو – على الأقل- حيوانك الأليف؟ ودون أن تتشارك هذا الحُب معهم بأن تبادلهم الاهتمام ومشاعر الشغف والتعاطف؟ هل مررت بأوقات ومواقف تشعر خلالها أنك بحاجة إلى المزيد من الحُب والاهتمام بينما في أوقات أخرى تشعر أنك مكتفٍ بما لديك؟

“الحب” كان ومازال سيدًا يتربع على عرش أحداث التاريخ منذ بدء الخلق، في كل صفحة من صفحاته كان بطلاً خفيًا يكتفي بترك بصماته العميقة، وجوده كان وراء أعظم الانتصارات، والحرمان منه وراء أخطر الهزائم والنكبات، كان وقود أعظم القادة، ونقصانه السر الكامن وراء سقوط الهالكين والمنبوذين منهم، ومثلما كان سيدًا في “عصر الشعر” لم يقبل إلا دور السيادة في “عصر العلم”، فأثبتت الأبحاث الفيزيائية الحديثة أنه ليس مجرد انعكاس هرموني أو خيالاً قادمًا من عالم الأوهام كما يدّعي غير المؤمنين بوجوده، بل “طاقة” حقيقية يمكن قياسها مثلما يقاس التيار الكهربائي وذبذبات الاتصال الإلكترونية، وأن تلك الطاقة يمكنها أن ترتقي بحياة الإنسان إلى أقصى إمكاناتها، أو تهبط بها إلى أدنى مستوياتها حتى تفنيها وتدمرها، لذلك نرى الأشخاص المُحاطين بالمحبين والمهتمين من أهل وأصدقاء يبدون أكثر إشراقا وتألقا وإقبالاً على الحياة، ويعيشون بصحة أفضل، وشهية أكبر للتقدم وتحقيق أفضل المنجزات، وإن لم يكونوا من الطموحين نراهم من أقل البشر سعيًا نحو افتعال المشكلات، أمام المحرومين من الحب والاهتمام الكافي فكثيرًا ما يسعون لتدمير محيطهم وتدمير أنفسهم بكل وسيلة للانتقام من هذا الحرمان، وإشباع معاناتهم الداخلية مع هذا الخواء بمختلف أشكال العنف والتخريب.

أول شخصٍ يجب أن تحصل على الحُب منه هو نفسك، أحبب نفسك، دللها، احتضنها وعاملها برفق، أنصت لها وحاول تغذية احتياجاتها بكل الطرق المتاحة، إن لم تحب نفسك فلن تملك الطاقة لحب شخصٍ آخر أو شيء آخر، وإن استطعت بذل الحب لشخصٍ آخر دون أن تحب نفسك فستسقط في فخ “التعلق” به، وتتدحرج في نفق الوهم بأنه السبب الوحيد الذي تعيش لأجله، ثم تغدو ضعيفا تحت رحمة انقلابه ضدك وإساءاته المتصاعدة لك إلى أن يتركك محطمًا مدمرًا بلا مستقبل، لكنك إن أحببت نفسك فلن تسمح بدخول عالمك إلا لمن يُقدرون قيمتك حقا، ويقابلون مشاعرك بمثلها أو بأجمل منها، لأن معاملة الآخرين لنا هي انعكاس صريح للنظرة الداخلية التي ننظر بها لأنفسنا.

حب الذات لا علاقة له بـ”الأنانية”، حب الذات قمة السخاء لأنه المصرف المركزي الثري الذي يموّل حبنا لكل شيء آخر، أما “الأنانية” فهي صورة أخرى من صور “كراهية الذات” وكراهية الآخرين، إنها أخذ دائم دون عطاء، واستحواذ مستمر على كل شيء بلا إبقاء، وشهيق مسعور دون زفير.. الأناني لا يُحب إلا نفسه، أمام الإنسان السوي يُحب نفسه أولاً كي يجد السبيل لحب غيره بصدق ويقين.

 

تاريخ النشر الورقي:

فبراير  2018م- النسخة الورقية من مجلة “بوح القلم” الأردنية.

تواصل معي الان