شكرًا لاجتيازهم حياتنا

Share on facebook
Share on twitter

بقلم: زينب علي البحراني

 حياتنا رواية طويلة، ننفرد ببطولة بعض فصولها، ونتقاسم تلك البطولة مع آخرين في فصول أخرى، بينما تأتي “شخصيات ثانوية” وتذهب دون أن يتعدى دورها دفع خط سير الأحداث فيها. أحيانًا تُبهرنا “شخصية ثانوية” بدخولها إلى عالمنا، نتوهّم فيها شكلاً فريدًا من أشكال البطولة، ونتصوّر أننا غير قادرين على الاستغناء عنها، ثم نكتشف كم كُنا مخطئين في أوهامنا تجاهها، وكيف كانت نظرتنا لها أكبر كثيرًا من حجمها الحقيقي، فنحزن، ونندم، وربما نلوم أنفسنا على ما نعتبره جهلنا وحماقتنا، لكن ما لا نعرفه هو أن دخول أولئك الناس بشرّهم وخيرهم إلى عالمنا كان ضروريًا لمصلحة نُضج شخصياتنا وتطورها، ولولا مشاركتهم إيانا تلك الحلقة من مُسلسل حياتنا لخسرنا فرصة تجربة أغلى من أن يُمكن تقديرها بثمن، لقد تم إرسالهم لنا كي يُساهموا في خدمة رسالتنا الشخصية على الأرض، وما أن انتهى دورهم في قصة حياتنا حان وقت مغادرتهم وإفساح مكان جديد لآخرين غيرهم.

كلنا نتمنى اصدقاء مخلصين دائمين، وشركاء حياة راسخين على عهود حبهم إلى الأبد، لكن الحياة لها حسابات أخرى تفرض على شخصية كلٍ منا حدًا ضروريًا من النضج، ولا يُمكن بلوغه إلا بمواجهة الهجر والحرمان والخذلان والغدر وطعنات الظهر.. كيف سنُدرك قيمة الأشخاص الجيدين في حياتنا إن لم نذق مرارة التجربة مع أشخاص سيئين؟ وكيف سنشعر بالامتنان والتقدير لوجود أشخاص مُخلصين صادقين في حياتنا إن لم نُجرّب الغادرين الكاذبين؟ صحيح أن الأمر يكون مؤلمًا عند لحظات الانعطاف الحرجة في أي علاقة انسانية تصدمنا وتستنزف مشاعرنا، لكن ذاك الألم يتحوّل إلى شكل من أشكال الوقاية لذواتنا من الوقوع في فخ تجارب مُستقبلية مُشابهة، ونكتشف أن لا علاقة مفقودة تستحق الحزن أو الندم، فلو كان فيها خيرًا لتطوّرت وكبرت واستمرّت لآخر لحظة من عمرنا، ولو كان الشخص الذي آذانا أو جرح مشاعرنا أو تركنا مُستحقا للبقاء بين حدود عالمنا الخاص لما لفظته قصة حياتنا وخلصتنا من شرّه الذي قد نعلم بعضه وقد لا نعلم أكثره، كل هذا يجعلنا نشعر بالامتنان تجاه السيئين الذين تعلمنا من تجاربنا معهم مثلما نشعر بالامتنان تجاه الطيبين الذين ساعدوا وجداننا على الارتقاء أكثر بطيبتهم ونقاء سرائرهم، ولهذا يقول الفيلسوف الهندي الماهاتما غاندي: “لن أندم على أي شخص دخل حياتي ورحل؛ فالمخلص أسعدني، والسيء منحني التجربة , والأسوأ كان درساً لي, أما الأفضل فلن يتركني أبداً”.

الأهم من نظرتنا للآخرين هو نظرتنا تجاه أنفسنا؛ هل نحن حقا اصدقاء مخلصون كي نستحق شرف التعامل معنا بإخلاص وثقة؟ هل نحن شركاء حياة متفهمين صبورين مستعدين للتمسك بنصفنا الآخر ودعمه في أوقات الشدائد لنستحق مثل تلك المُعاملة؟ هل نحن أبطال حقيقيين في رواية حياتنا وروايات حياة الآخرين أم مُجرد “شخصيات ثانوية” وأحيانًا “شياطين” ندفعهم لكراهية أجزاء من ذواتهم وإغراق وسائد نومهم بالدموع؟ هل حاولنا أن نرى أنفسنا بمرآة الحقيقة النظيفة من الزيف قبل أن نسدد اتهاماتنا نحو الآخرين الذين كثيرًا ما يكون حضورهم في واقعنا انعكاسًا لأعماقنا؟ وماذا عن أولئك الطيبين الحنونين المُخلصين في عالمنا؛ هل قدّرناهم حق قدرهم وعاملناهم بمستوى الاحترام والمحبة التي يستحقونها أم تجاهلناهم وأهملناهم واستهترنا بوجودهم إلى أن عوقبنا بأولئك الذين يستهترون بقيمتنا؟

 

 تاريخ النشر الورقي:

أغسطس 2017م- النسخة الورقية من جريدة “جود نيوز” الكندية.

تواصل معي الان