حوار موقع “فلنكتب” مع الأديبة السعودية زينب علي البحراني- 2011م

Share on facebook
Share on twitter

 *حاورتها: شيرين سباهي

*نُشر بواسطة: موقع فلنكتُب-  30 أكتوبر 2011م

تحت عنوان: الكاتبة السّعوديّة زينب البحراني: امرأة من المِسك وزعفران الثّقافة

–         شيرين:  زينب البحراني كيف تعرف نفسها لنفسها؟

–         زينب: فتاةٌ تعيشُ في جزيرة أحلامٍ شاسعة؛ مُنفقةً أكثر وقتها في رسم مشاهد من تلك الجزيرة بقلمها كي يراها ذوي الأرواح المعصُوبة.

–         شيرين: عرفكَ القراء كاتبة سعودية  دخلت عالم الأدب الراقي بهدوء عاصف.. كم مرة حاسبت زينب البحراني قلمها؟

–         زينب: لستُ من مُفرطي القسوة في مُحاسبة أقلامهم خلال هذه المرحلة من رحلتي الأدبيّة، لأنّني أعي أنّ أكثر سهوات قلمي تعود إلى أسباب لا ذنب له فيها. المُجتمع العربي والوسط الأدبي العربي يتعاضدان على غبنهما لقلم المرأة أثناء تقييمه دون أن يُحاسبوا العوامل الخارجيّة التي حرمته ذاك النضج الذي ناله قلم شقيقتها الأمريكيّة أو الأوروبيّة، ولستُ على استعداد لأن أكون عدوًا ثالثًا يقف ضدّ قلمي. كلّ ما أستطيع فعله هو بذل أقصى ما بوسعي للتحسين من ذاتي وأسلوبي وتقنياتي الفنيّة يومًا بعد آخر، دون أن ألتفت لماضي الحروف التي انتقلت من مُلكيّتي الذهنيّة إلى مُلكيّة قُرّائها.

 –         شيرين: هل تعتقدين  ككاتبة سعودية  أتت من وطن اللا مُباحات  أنك أوصلتِ لنساء العالم ولبنات جيلك ما لم تصل به كاتبات أخريات عن هموم نساء وطنها ؟

 –         زينب: كلا؛ لا أعتقد ذلك ولا أظنّه حتّى. خصوصًا وأنّني لا أتطرّق إلى “هموم المرأة السعوديّة” في كتاباتي إلا نادرًا. والطّريفُ في الأمر أنّ الكاتبة السّعوديّة حين تكتُب عن واقعها الحزين كخليّةٍ مُفجعة من جسد واقع نساء بلدها تتلقّى هجومًا هستيريًا مُكذّبًا لأقوالها من كُلّ حدبٍ وصوب! وحين لا تكتُب عنها تواجه هجومًا آخر يتّهمها بتجاهُل الكتابة عن بيئتها المحليّة!!

 –         شيرين: لماذا اخترتِ لكتابك عنوان “مُذكّرات أديبة فاشِلة”  وهو العكس  بالنسبة لنجاحات زينب البحراني؟

 –         زينب: يا عزيزتي شيرين؛ بين كُل مائة شخص يعتقدون نجاحي ثمّة شخصٌ واحدٌ على الأقل ممن يظنّون أنني فاشلة، ويحسدونني، ويستخفّون بكلماتي المكتوبة، ويغتابونني لإسقاط سُمعتي الأدبيّة، ويُحيكون المؤامرات السريّة الرّخيصة من وراء ظهري لإسقاط قلمي، ويستميتون في تبذير أوقاتهم لإفشالي؛ لأجل هؤلاء اخترتُ العنوان، ولأجلهم أيضًا وجّهت إهدائي الخاص داخل الكتاب.

 –          شيرين: أيهما أكثر وصولاً لقلب الرجل:  امرأة تقرأ وتكتب فقط، امرأة لا تعرف متى تكتب ومتى تقرأ، أم امرأة تعشق أكثر مما تكتب؟

 –         زينب :يُذكّرني سؤالك بأمنية سريّة لطالما حلمتُ بتحققها أيّام مُراهقتي الغاربة، وهي أن أمتلك “معطف التحوّل”، وهو معطفٌ يعمل على تحويل المرأة التي ترتديه إلى رجُل؛ والرّجُل الذي يرتديه إلى امرأة طوال فترة ارتدائه، كي أتمكّن بارتدائه من اكتشاف مشاعر الرّجُل أمام مواقف كثيرة لا يسعني اكتشافها كفتاة، وأظنّ أنّ هذا الموقف أحدها.

          يجب أن أكون رجُلاً كي أتمكّن من الإجابة على سؤالٍ ثُلاثي الأضلاع كهذا. لكن من مُنطلق      توقّعاتي القاصرة كإنسانة لا تنتمي لعالم الذّكور؛ أظنّ أنّ شروط الوصول لقلب الرّجُل – عمومًا- لا تمتّ بأدنى صِلة للكتابة، أو الأدب، أو العلم، أو المعرفة، تتساوى فيها الأديبة والأميّة على حدٍ سواء. والعلم عند الله ثمّ عندهم هم!

 –         شيرين:أين تضع زينب البحراني نفسها  بين كاتبات الوطن العربي اليوم؟

–         زينب: إنني شديدة الواقعيّة في تقييمي لنفسي. ومن هذا المُنطلق يُمكنني القول أنني لم أصل إلى مرتبة تؤهّلني لنيل جائزة “نوبل”، لكنني في الوقت ذاته تجاوزت مرحلة الـ “تحت الصّفر” أو كما يحلو للبعض تسميته “الأديب الذي لم يبدأ بعد”. لقد بدأتُ بالفعل، وهذا بحدّ ذاته يكفيني في هذه المرحلة.

–         شيرين: نشهد اليوم موجة رهيبة من الشاعرة والكاتبة والقاصة ووو والاغلبية بماذا تسمين هذا ؟

–         زينب: رُبّما هي مُحاولات لإيجاد الذّات أو لملمة شعثها، لكنّ المؤسف أنّ وميضها لا يطول.

 –         شيرين: متى تشتاق زينب البحراني للقلم؟ أم أنّها لا تشتاق له أبدًا لأنّها لا تُفارقه؟

 –         زينب: يتضاعف شوقي لقلمي في ساعات التهاب الشّعور بالوحدة، أو الغُربة الرّوحيّة الحادّة.

 –         شيرين: أرى في كتابتك المرأة العنيدة الصبورة..  هل أنتِ كذلك في ربوع الحياة؟

 –         زينب: هذه الصّفات ليست خيارات يا شيرين؛ وإنّما عوامل لا بُدّ منها للبقاء على قيد الصّمود أمام جبروت عقبات الحياة اليوميّة.

 –         شيرين: هل أنتِ مع المرأة السعودية في قيادة السيارة أم أنك تعتبرين الأمر مخالفاً كما يعتبره أغلب السعوديين؟

 –         زينب: أوّلاً: ليس جميع السّعوديين يعتبرون الأمرُ مُخالفًا كما يظن البعض؛ لكنّ الإعلام المُوجّه وأصحاب المصالح في هذا المنع هم من يستميتون في التّرويج لتلك الفكرة. وثانيًا: عنّي أنا نفسي تعلّمتُ قيادة السيّارة بالفعل خارج السّعوديّة، ولو كان بيدي تعلّم قيادة الطّائرة والباخرة كذلك لفعلتُ دون أدنى تردّد.

          المُشكلة في السّعوديّة لا تنحصر في “منع قيادة السيّارة”. هُناك مئات المشاكل التي تكمن وراء الفهم الخاطئ لكيان المرأة كإنسانة. الأمر الذي يجعل من الاكتفاء بحل مُشكلة “قيادة السيّارة” مُجرّد قطرة في مُحيطٍ شاسع من المشاكل المُجتمعيّة الحادّة.

–         شيرين: ألا تعتقدين أن المرأة السعودية … رغم الترف -وهذا ليس على الأغلبية- لكنها تصارع  الزمن؟

–         زينب: التّرف في السّعوديّة – لا سيّما خلال الأعوام الأخيرة- استثناء، بينما القاعدة هي التقشّف. ثمّة فجوة ماديّة كبيرة تتسع يومًا بعد آخر بين المُترفين والمُتعففين، وهي قضيّة لا يستطيع رؤيتها إلا المواطن السّعودي العادي الذي يعيش في البلد ويتنفّس همومه اليوميّة بعيدًا عن الشّعوذات الإعلاميّة التي تُصدّر أوهامها للأشقاء العرب خارج السعوديّة موهمةً إيّاهم أننا نأكل سبائك الذهب ونشرب ماء الذّهب ونتنفّس بُرادة الذّهب. أمّا بالنسبة للمرأة السّعوديّة فأظنّ أنّها تُحارب على أكثر من جبهة، خصوصًا وأنّ مما يفجع النّفس بحق هو أنّ بعض الإخوة العرب من خارج الجزيرة العربيّة يُصرّون على مُحاربتنا وتكذيبنا في تواطؤ ظالم مع القوانين الرّسميّة والمُجتمعيّة المُجحفة داخل البلد.

 –         شيرين: أرى هناك مخزون هائل من الكتابات والقصص في روح زينب البحراني وأنها لم تخرج مما في داخلها إلا القليل ….هل هذا صحيح  ؟

 –         زينب: صحيح تمامًا.

 –         شيرين: هل خاصمتِ نفسك يوما ولماذا؟

 –         زينب :نعم، كُنتُ ومازلتُ أُخاصمها في الأوقات التي أرتكب فيها أخطاء أو سهوات ما كان يجدُر بذكائي أن يغفل عنها، وفي الأوقات التي أكتشف فيها أنّني أودعتُ ثقتي لدى من لا يستحقّون شرف نيلها، وهم كثيرون بكُلّ أسف.

 –         شيرين: ما رأيك بالمرأة المتمردة خصوصا إن عانت ظلم المجتمع ..؟

 –         زينب: أتصوّر أنّ الإنسان لا يتمرّد إلا إذا دفعه قهرٌ ما إلى التمرّد، وتمرّد تلك المرأة هو ثمرة من ثمار ظُلم مُجتمعها لها. المُهم أن ينصب ذاك التمرّد في قنواته المُلائمة، وأن يوجّه بطريقة فعّالة قادرة على البناء، لا التّخريب.

–         شيرين: هل تعتقدين بأنّ الشّرائع السّماويّة قد أنصفت النّساء؟

–         زينب: أجل، أعتقد ذلك اعتقادًا راسِخًا. ومُقارنة صغيرة بين ما سنّته أغلب الدّيانات والقوانين الوضعيّة وبين القوانين السّماويّة تُبيّن لنا أنّ الشّرائع السّماويّة وهبت المرأة ما لم تهبها السّلطات البشريّة، و قليلٌ من التدبّر في أحوال مملكة الله الشّاسعة يؤكّد لنا أنّ المشيئة الإلهيّة وهبت الأنثى بين جميع المخلوقات الحيّة سُلطات لا يتمتّع بها الذّكور.

–         شيرين: إذن لماذا نقرأ في الشّرع شيئا، بينما ما يُطبّق على أرض الواقع شيء آخر؟

 –         زينب: لأنّ المُتاجرة باسم الله وباسم الدّين لأجل تحقيق مصالح شخصيّة سلعة رائجة في وقتنا الحاضر بكُلّ أسف، والجميع يُريدون تحقيق مصالحهم عن طريق حشد تأييد أكثريّة “البُسطاء” من خلق الله، وهؤلاء لا يُمكن استمالة عقولهم إلا بليّ ذراع الأحكام الدّينيّة وفق رغبات ذوي المصالح الشّخصيّة!

 –         شيرين: ما الذي تتميز به المرأة السعودية ولا تتميز به نساء أخريات؟

 –         زينب: المرأة هي هي في كُلّ زمانٍ ومكان يا شيرين، وليس ثمّة ميزة لامرأة في الغرب على امرأة في الشّرق إلا بالثقة في النّفس وحصولها على كفايتها من تنمية الذّات، وهو ما تُحرم منه أكثر النّساء السّعوديّات بكُلّ أسف.

 –         شيرين: هل تتوقعين أن تقفي يوما في نزاع أدبي مع الرجُل؟

 –         زينب: لا، على الإطلاق. الرّجال بالنّسبةِ لي هُم حُلفاء استراتيجيّون في طريق النّجاح، وأظنّ أننا يجب أن نتعاون، ونتعاضد، ونتحّد أدبيًا ومهنيًا كي نُحقق نجاحًا قادرًا على الوقوف في نزاعٍ “أبدي” في وجه الفشل والصّعوبات، لا العكس. إنني أُقرّ وأعترف أنّ الرّجُل مازال هو المُهيمن الأكبر على السّاحة الأدبيّة رغم التضخّم الحاد في كمّ الأسماء الأنثويّة التي دخلتها، ولو أنني فكّرتُ في تأليف كتاب؛ ثمّ توكّلتُ على النّساء – بعد الله- في انتشاره، فلأبشر إذن بفشله وسقوطه مُقدّمًا!

 –         شيرين: أين ومتى تختلفين مع نصفك الثاني الرجل؟

 –         زينب: أنا أختلف مع الخطأ بغضّ النّظر عن نوع مُرتكبه أو جنسه، ومن هذا المُنطلق فإنني أختلف معه أمام ذات المواقف التي أختلف فيها مع المرأة.

 –         شيرين: من هي المرأة الجاهلة في عيني زينب؟

 –         زينب: التي تجمع بين ضيق الأفُق، والسّلبيّة، ورفض الاستنارة.

 –         شيرين: ومن هي المرأة الناجحة؟

 –         زينب: التي لا تقبل الاستسلام أو الهزيمة أمام العقبات مهما كان حجمها.

 –         شيرين: هل تتوقعين عودة زمن نازك الملائكة ومن هي الشخصية التي ستكون جزء من ذاك الماضي؟

 –         زينب: كلا، لا أتوقّع. لا يُمكن تكرار “شخص ما” أو “زمن ما” على وجه الأرض.

 –         شيرين: عندما تخلد  للنوم بنت  علي البحراني بماذا تفكر؟

 –         زينب: أُفكّر غالبًا بالمشيئة الإلهيّة، واستحالة وجود المُستحيل أمام لا محدوديّتها.

 –         شيرين: هل أنتِ راضية عما وصلتِ إليه أم أنكِ لم تصلي من الأساس؟

 –         زينب: قياسًا إلى ظروفي الشخصيّة والمُجتمعيّة؛ أنا راضية عمّا وصلتُ إليه خلال هذه المرحلة من حياتي حصرًا، لكن لا يُرضيني البقاء في هذا المكان إلى الأبد.

 –         شيرين: أنا أرى فيكِ ناشطة حقوقية عن المرأة قبل أن أرى فيكِ القاصة السعودية زينب  ما هو تصوركِ عن ذلك؟

 –         زينب: فكريًا وأدبيًا.. بكُلّ تأكيد، أمّا سياسيًا فلا. أنا أكره السّياسة.

 –          شيرين: أين وصلتِ في أحلامك كقاصة سعودية؟

 –         زينب: لو أنني حصرت أحلامي في حذاء حديدي صيني اسمه “القاصّة السّعوديّة” فلن أصِل إلى مكان. أنا أحلم بما وراء تلك الحُدود يا صديقتي.

 –         شيرين: وما الذي تملكه زينب علي البحراني ولا تملكه امرأة أخرى؟

 –         زينب: تصديق أحلامي بشأن طموحاتي واعتبارها واقعًا مُستقبليًا لا شك فيه، إلى جانب الثّقة بالنّفس، و إفساح المجال لحُريّتي الرّوحيّة كي تنمو عامًا بعد عام.

 –         شيرين:وهل يقف هناك خلف جدار هذا الزمن رجل ما أم أن الطريق …لا نرى فيه غير ظلك زينب؟

 –         زينب: بالتأكيد سيكون هُناك أحدهم ذات يوم، فالله تعالى خلقنا من نوعين كي نتّحد، لا لنبقى بمفردنا إلى الأبد. المُشكلة يا عزيزتي شيرين هي أنّ المرأة منّا تُريدُ رجُلاً قادرًا على إكمالها والاكتمال بها، لا رجُلاً يُسخّر طاقاته لكسرها، وتبديد طموحاتها، واغتيال الحلم في أعماقها. لستُ ضد أن تكون مقاليد السّيادة والقيادة بين يدي الرّجُل كما يجب أن يكون؛ لكنني أعجز عن احتمال ذاك النّوع الذي يهوى التسلّط على كُلّ نَفَسٍ من أنفاس امرأتهِ والهيمنة على أحلام يقظتها ومنامها حتّى وإن كان تافهًا مُضمحلاً عاجزًا عن تحمّل مسؤوليّة ذاته فضلاً عن سواه! ثمّة رجُلٌ لا تتردد المرأة في تسليمه مقاليد حياتها حتّى وإن كان الطّريق معه مُفضيًا إلى الجحيم، وثمّة رجُلٌ لا يمكنها أن ترافقه حتّى وإن كان ثمن الحياة معه صكًا يشرّع أبواب الفردوس على مصراعيها.

 

تواصل معي الان