كلنا نغيّر آراءنا

Share on facebook
Share on twitter

كلنا نغيّر آراءنا

بقلم: زينب علي البحراني

 كان الفيلسوف البريطاني مُحقًا عندما قال: “لن أموت أبدًا دفاعًا عن قناعاتي، فقد أكون مخطئًا”، إذ أننا جميعًا كبشر نتدرّج على سلّم اخطائنا في رحلة بحثنا عن الطريق الصحيح للوصول إلى الحقائق، لكن هناك من يُكابرون ويتعصَّبون لوجهات نظر يُثبت لهم الزمن عدم صلاحها، وبهذا يُعاندون سُنة الكون في النمو والتقدم لأجل إرضاء “الأنا الزائفة” في أعماقهم، فيختار الكون محو آثارهم من سجلّ الوجود تطبيقا لقانونه الأبدي الذي ينص على أن “من لا يتجدد يتبدد”، وهناك من يرون اخطاء الآخرين فقط بينما يظنّون أنفسهم مُنزهين تمامًا عن أي سهو أو خطأ، فتراهم يُهاجمون صاحب كل وجهة نظر يعتبرونها غير صحيحة بدل أن يُحاولوا تصحيحها بمُناقشتها والاستعانة بالتفاهم والإقناع والاقتناع بأسلوبٍ متحضّر مهذب، وإذا كان صاحب الرأي يمتاز بمكانة مُجتمعيَّة تستحق قدرًا من التقدير كانتمائه للأوساط الثقافية، أو الأدبية، أو الفنيَّة، تتضاعف النوازع الهجومية عند تلك الشريحة فيُبالغون ويُسرفون في صب جام غضبهم وهياجهم ضده، رغم أن بلوغه تلك المكانة المتميزة التي تهب رأيه فُرصة الانتشار يجعل احترام الجهد الذي بذله لبلوغها واجبًا، فهذا الشخص يمتاز بمميزات لا نملكها أوصلته إلى ما وصل إليه مهما ظننا أو توهمنا أو ادّعينا أنه مثلنا ونحن مثله، لقد مرّ بمئات الخبرات وتجاوز آلاف التجارب والعقبات إلى درجة تجعل لوجهات نظره قيمة تستحق الإنصات لا الهجوم.. لنفترض – مثلاً- أن النجم السينمائي الفنان الفاتن الآسر الساحر الوسيم الجذاب “كيانو ريفز” أفصح عن رأي شخصي لا يُعجبني؛ هل يعني ذلك أن أعتبر نفسي مُستحقة صب جام لعناتي وسبابي عليه لمجرّد أنني أملك لسانًا، أو أملك قلمًا، أو أملك اشتراكًا في شبكة الإنترنت؟ لا بطبيعة الحال، فالمقارنة بين مكانته العالمية الفريدة التي وصلها بتعبه وجهده وموهبته وبين عدم وجود أي مكانة جماهيرية لي يجعلني غير مُستحقة وغير مؤهلة لذلك، و”رحم الله امرئ عرف قدر نفسه”، ثم إن هذا الرأي الذي أعتبره خطأ يحتمل الصواب من جهة، ومن جهة أخرى هو “مجرد رأي” قد يُغيره غدًا لأي سبب يعتبره مُقنِعًا ما دُمنا نعيش في عالمٍ سريع التجدد.

كل البشر تتغير بعض آرائهم بمرور الزمن تجاه قضيّة أو أخرى، فعلى الصعيد الشخصي قد نحب اليوم شخصًا ثم لا نحبه بعد أيام، وقد نرى أن هذه المهنة هي الأنسب لنا قبل عام لكننا نعتبرها الأسوأ بعد أعوام، وفي الأسرة الواحدة يمكننا ملاحظة بعض التغيرات في أسلوب تربية الأبوين لأكبر ابنائهم ولأصغرهم؛ فبينما يتبنّون منهجًا قد يبدو أكثر تشددًا مع الأكبر؛ ينقلب تشددهم إلى لين متدرّج مع بقية الأبناء وصولاً إلى مساحات واسعة من التساهل مع آخر العنقود بعد تجربة نتائج خبرة تربيتهم السابقة، وبإلقاء نظرة على صفحات التاريخ نكتشف سلاسل من تغيير وتطوير الآراء لمعظم العظماء من قادة ومُبدعين وعُلماء، إنها الطريقة الوحيدة للتطوّر والتقدّم ولا طريقة سواها للقفز نحو المُستقبل، انعدام المرونة تجاه آرائنا أو آراء الآخرين لا نتيجة له إلا التبلّد، ثم التجمّد، ثم التفتت والتبدد والفناء.

هل تذكر كيف كانت شخصيتك قبل خمسة أعوام؟ كم رأيًا غيرت؟ كم وُجهة نظرٍ اعتنقت ثم بدّلت؟ كم مرّة قرأت فيها كتابًا قلب موازين رؤيتك للأشياء؟ أو عرفت شخصًا أدت علاقتك به لنسف بعض الأفكار والمُعتقدات؟ أو زرت مكانًا أضرم الحرائق في أعماقك القديمة وغرس أزهارًا جديدة مكانها بعطرٍ مختلف؟ الآخرون أيضًا مثلك لكن مع اختلاف تجاربهم الذاتية شكلاً ومضمونًا، اعتناق الآراء يُشبه الشهيق والزفير؛ تستنشق عقولنا رأيًا ثم تزفره لتستنشق آخر كي تستمر دورة حياتنا، ومثلما تعتبر أن لك حق التنفس دعهم أيضًا يتنفسون وتسامح مع ثاني أكسيد كربونهم لأنك أنت أيضًا تطلق ثاني أكسيد كربون لتعيش سواء شئت ذلك أم أبيت.

تواصل معي الان